4/15/2009

سلمى


عندما كنت طالبة صغيرة في المدرسة الابتدائية, كان "بصم" الأناشيد درساً معنوياً تعلمته بجدارة. أتذكر حتى الاَن أنه كان يتوجب علينا أن نحفظ واجباتنا النظرية عن ظهر قلب حتى وإن لم نفهم معانيها. للأسف لم أحب يوماً أن أحفظ شيئاً دون فهمه ولكن يبدو أن الأطفال لديهم مقدرة على التجاوب والتأقلم مع الواقع بشكل كبير عندما يكونون في سن معينة والدليل أن ما نجحت في بصمه سابقاً, ما زال عالقاً في ذاكرتي حتى وإن لم أفكر فيه. فبأي لحظة مثلاً يمكنني استرجاع (عمي منصور نجار يضحك في يده المنشار)...

بالطبع ما زلت أذكر الكثير من الأناشيد المدرسية التي لم أفهم معانيها في وقتها ولكنني تعلقت بها لاحقاً عندما كبرت, لكني لا أذكر مما حفظته في المرحلة الثانوية سوى بضعة أبيات من الشعر ومقطع من قصيدة إيليا أبو ماضي "المساء" والتي أسميها ب"سلمى". تلك القصيدة التي تدغدغ ذاكرتي من وقت لاَخر.. فعلا لا أعرف لماذا أعشقها! كلما مرت عدة سنوات من عمري أتذكر شيئاً فجأة لأجد بأن سلمى تعلن وجودها في ذاكرتي مرة أخرى في الوقت الذي أكون قد نسيت فيه أنها موجودة بالأصل. لا يوجد أي ذكرى من نوع خاص مرتبطة بتلك القصيدة ولا يوجد أيضاً زمن معين لتذكرها فهي تزورني في عدة مناسبات في حياتي, ولكن كلما أتذكرها أشعر باطمئنان داخلي يبعث في صفاء روحياً من نوع غريب أحتاجه من وقت للاَخر. يبدو بأن سلمى تلك باتت صديقة عزيزة على قلبي بل ومخلصة أيضاً فهي تزورني وقت الحاجة وتبعث في نفسي ذلك الشعور الذي أعجز عن وصفه..

....تحية إلى صديقتي سلمى


السحــــــب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين
والشمــــــــــــــــــس تـــــــــــبـــــــدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
والبحـــــــــــــــــــــر ساجٍ صامـــــــــــــــــتٌ فيه خشوع الزاهدين
لكنما عـــــــــيناك باهتتان في الأفـــــــــــــــــــــق البعـــــــــــــيد
سلمى ...بماذا تفكرين؟
سلمى ...بماذا تحلميـــــــن؟
أرأيت أحلام الطفــــــــــــــــــــولة تختفي خلف التخوم؟
أم أبصرتْ عيناك أشــــــــــــــــباح الكهولة في الغيوم؟
أم خفتْ أن يأتي الدُّجى الجـــــــــــاني ولا تأتي النجوم؟
أنا لا أرى ما تلمـــــــــحـــــــــــــــــــــين من المــشــــاهد إنما
أظلالـــــها في ناظريك
تنم ، ياســـلمى ، عليك
إني أراك كســــــــــــــــــائحٍ في القفر ضل عن الطريق
يرجو صديقاً في الفـــــــــــلاة ، وأين في القفر الصديق
يهوى البروق وضــــــــوءها ، ويـــــــــــــخاف تخدعهُ البروق
بــــلْ أنت أعظم حـــــــــــــــــيرة من فــــــارسٍ تحت القتام
لا يستطيع الانتــــصار
ولا يطيق الانــــــكسار
هــــــذي الهواجـــــــس لم تكن مرســــــــومة في مقلتيك
فلقـــــد رأيـــتـــك في الضــــحى ورأيته في وجـــــنتيك
لكن وجــــــدتُك في المساء وضـــــعت رأسك في يديك
وجـــــــلست في عــــــينيك ألغازٌ ، وفي النفــس اكتئاب
مــــثل اكتئاب العاشقين
ســلمى ...بماذا تفكرين
بالأرض كيف هـــــــوت عروش النور عن هضباتها؟
أم بالمـــــــــروج الخُضرِ ســــــاد الصمت في جنباتها؟
أم بالعــــــصـــــافــــــــــــير التي تعـــــدو إلى وكناتها؟
أم بالمـــــــسا؟ إن المســــــــــــــا يخفي المدائن كالقرى
والكوخ كالقصر المكينْ
والشـوكُ مــــــــــــــــــــــثلُ الياسمين
لا فــــــــرق عــــــــــند الليل بين النهــــــــــر والمستنقع
يخفي ابتسامات الطـــــــــــــــروب كأدمع المـــــــتوجعِ
إن الجـــــــــمالَ يغـــــــيبُ مـــــــــــــــــثل القبح تحت البرقعِ
لكن لماذا تجــــــــــــزعـــــــــــــــين على النهار وللدجى
أحـــــــــــلامه ورغائبه
وســـــــماؤُهُ وكواكبهْ؟
إن كان قد ســــــــــــــــــتر البلاد سهـــــولها ووعورها
لم يسلـــــــــــــب الزهر الأريج ولا المياه خـــــــريرها
كلا ، ولا منعَ النســــــــــــــــــــائم في الفضاءِ مسيرُهَا
ما زال في الــــوَرَقِ الحفــــيفُ وفي الصَّبَا أنفــــــاسُها
والعــــــــندليب صداحُه
لا ظفـــــــــــرُهُ وجناحهُ
فاصغي إلى صـــــــــوت الجداول جارياتٍ في السفوح
واســــــتنشـــــــــقي الأزهار في الجنات مادامت تفوح
وتمتعي بالشــــــــــــــهـــــب في الأفلاك مادامتْ تلوح
من قــــــبل أن يأتي زمان كالضـــــــــــــباب أو الدخان
لا تبصرين به الغــدير
ولا يلـــــــذُّ لك الخريرْ
مـــات النهار ابن الصباح فلا تقـــــــــــــــولي كيف مات
إن التــــــــــــــــأمل في الحــــــــــياة يزيد إيمـــــــــــــان الفتاة
فدعي الكآبة والأسى واســـــــــــــــــترجعي مرح الفتاةْ
قد كان وجهك في الضحى مثل الضحى متهـــــــــــــللاً
فيه البشـــــاشة والبهاءْ
ليكن كــذلك في المساءْ

هناك تعليق واحد:

  1. لقد ذهبت سلمى بعقلك كله
    فهل غير صيد احرزته حبائله

    طرفة بن العبد

    ردحذف