4/01/2009

لا للطائفية

إذا عدنا في الزمن إلى الوراء, فسنجد أن سيدنا عيسى عليه السلام جاء مبشراً بديانة واحدة هي المسيحية. المسيحية فقط لازيادة ولا نقصان.
كذلك الأمر بالنسبة للرسول محمد (ص) فقد جاء حاملاً رسالة الله إلى الأرض لإحلال الخير والسلام وجعل الشعوب أمة واحدة يجمعها دين واحد هو الإسلام. الإسلام فقط لا زيادة ولا نقصان.

بالطبع جاء سيدنا موسى قبلهما منادياً باليهودية ديانةً تتبع وعقيدة يقتدى بها. ولكن ماذا يحصل الاَن في عصرنا الراهن؟
- اليهودية قسمت إلى عدة طوائف لكن لا أذكر أني سمعت أبدا عن مشاكل بينهم لدرجة أني اليوم حتى علمت بوجود طوائف يهودية !
- المسيحية قسمت إلى عدة طوائف وأعتقد بأن الجميع يعرفهم.
- الإسلام, ياويلاه على ماحل بالإسلام فكل يوم نسمع بطائفة جديدة ومذهب جديد يدعي بأنه الإسلام الحق وأن كل من يخالفه الرأي كافر لا محالة! وطبعاً لا يخفى على أحد أن أغلب تلك المذاهب قد خلقت بناء على مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية, الخ لتخدم فئات معينة من الناس أولهم الاستعمار الذي احتل بلادنا لفترة ليست بقليلة من الزمن. ولست الاَن بصدد الخوض في هذه التفاصيل ولا أن أقف لجانب طائفة أو دين ضد اَخر (كل واحد على دينو الله يعينو), كل ما أود الإشارة إليه هنا هو فقط التذكير بما اَل إليه حالنا نحن العرب بعد أن غاب عن ذهن الجميع أن اليهود نجحوا في تقسيمنا إلى طوائف تقتتل فيما بينها بينما نجحوا في نفس الوقت في المحافظة على قوة عقيدتهم ووقوفهم جانب بعضهم البعض بغض النظر عن طوائفهم.


هنا أود أن أشير إلى عمل فني كان قد لفت انتباهي من بين الأعمال التي قدمت في بينالي القاهرة(كانون الأول-2008 إلى شباط- 2009.) حيث عرض الفنان العراقي علي عساف عملا فنياً (فيديو انستليشن) عبر فيه عما يجري الاَن في العراق من مجازر بشرية يذهب ضحيتها عشرات الأبرياء كل يوم نتيجة العمليات الانتحارية والتفجيرية المبنية على أساس طائفي. يجمع العمل عدة صور مركبة لسقوط بغداد والحرائق والدمار الذي يسيطر على البلاد الاَن لكن الملفت للنظر هو صورة رمزية لرجل وامرأة يتقدمان الشاشة ويحمل كل منهما لوحة كتب عليها عبارة تنم عن التفكير الطائفي أو القومي للشخص نفسه وللشخص الاَخر وكأنهم بهذه الطريقة يخلقان الحواجز بينهما حتى يصل الفلم لاَخره حين يندمج الشخصان بعد أن يقتنعا بأنهم بشر ومن طينة واحدة. رسالة الفنان واضحة جدا فالطائفية والحقد المتبادل بين الناس هو سبب تلك المجازر والحروب. الطريقة الوحيدة لإيقاف ما يحصل هو باقتناعنا التام بأن الله خلقنا كلنا بشر. لا يهم ما عرقك ولونك, لا يهم ما دينك وطائفتك, المهم هو أنك انسان مثلي تماما فكلنا نتنفس ونأكل ونشرب ونمرض وووووو..... كلنا بشر!



ماقدمه علي عساف لايعكس فقط ما يجري في العراق بل للأسف يخاطبنا جميعا نحن العرب. الحرب الأهلية موجودة سواء شئنا أم أبينا. فليس بالضرورة أن نرى دماء وتفجيرا حتى نقر بوجودها.
عندما يحتقر كل شخص الشخص الاَخر لمجرد أنهما من دين مختلف أو طائفة مختلفة فهذه حرب.
عندما يفضل صاحب رأس المال الناس الذين من دينه وطائفته على الناس الاَخرين متجاهلاً الكفاءات التي يملكونها فهذه حرب.
عندما يعذب الأهل أبناءهم ويحرمونهم من أسمى حق من حقوق حياتهم ألا وهو الحب واختيار من يرتبطون به لمجرد أن هذا الحب ينتمي إلى الطائفة الأخرى فهذه حرب.
عندما تقف دولة بجانب دولة وتدعمها دعماً لا محدوداً بينما تعادي دولة شقيقة وتعاملها أسوأ مما تعامل العدو لمجرد اختلاف في المذاهب الدينية فهذه أيضاً حرب.

كيف ننهي هذه الحروب؟ الأمر بمنتهى البساطة. كل مانريده هو أن نتعلم كيف نحترم الاَخر لا كيف نحقره لأنه "الاَخر". أن نفتح عيوننا نحن جيل الشباب ونرفض أن ننصاع لمعمعة التعصب الأعمى علنا يوماً ما نستطيع أن نصحح ما عجز اَباؤنا عن تصحيحه.
حياتنا هي مرحلة نعيشها في هذه الدنيا فلم نقضيها بالحقد والدمار إن كان بإمكاننا أن نملؤها حباً ونساعد بعضنا البعض؟!

هناك 6 تعليقات:

  1. أنا مع.. ومع ومع
    أنا مع ما يتجه إليه المقال هنا.. ومع هذا النوع من التفكير.

    أشكرك هنادي لفتح هذا الباب في مدونتك..

    أريد المشاركة برأي متواضع على حسب ما أعيشه هنا في الجزائر كمثال.. العام الماضي كان هو بداية تخلي عن رؤية نفسي الطرف الأفضل والسامي عن بقية الاطراف.. والسبب هو سفري واختلاطي بأقوام آخرين فتحوا عيناي على بساطتهم في الحياة ورؤيتهم العادية لها وعلى انجازات خرافية في بلدانهم اوضحت لي انه ليس شرطا ان تكون مسلما حتى تنجز التغيير في مجتمعك.. بعدها بدأت مراجعتي للأفكار التي من حولي واخذت اعمل على تصحيحها.

    لكن هذا التغيير أصدمت برفضه هنا في الجزائر.. حين أقول بانني لا أجد حرجا في ان يسكن بجانبي شيعي او أيا كان.. ما يعتقده شيء يخصه وحده فكلنا بشر.. أجد هجوما عنيفا.. بل حتى التشكيك في عقيدتي واتهامي بالالحاد وهو الأمر الذي يعتبر اكبر الجرائم كما تعرفين لدينا.

    وكلما راجعت هذا الرفض لا أجد له سببًا مقنعًا سوى السبب الرئيس الذي ذكرتيه في المقال.. المصالح السياسة وسياسات الدولة في مؤسسات التي تبني وتوجه المجتمع (وزارة التربية والتعليم والشؤون الدينية وغيرها).. إضافة إلى التغييب والفقر وحالات ضعف المجتمعات وما ينتج عنها.. تزيد عليها تراكمات تاريخية وأحداث تدور على الساحة وسط إعلام غير نزيه.

    لست أدري.. المسألة كلما حاولت التفكير فيها اجدها أكبر من تعلم احترام الآخر ( في الوقت الحالي).. لكن المستقبل يبشر بمزيد من التغيير مع التكنولوجيا الجديدة في التواصل.. ستحدث صدمات شديدة للكثيرين - مثلما حدث معي - ولكنها على الأغلب ستكون صدمات صحية.. والله اعلم

    تحياتي
    عصام

    ردحذف
  2. شكرا جزيلا عصام على مداخلتك الشيقة.

    للأسف وكما نوهت فإن أغلب الناس منغلقين على أفكارهم ولايحاولون مجرد محاولة أن يشعروا بأن الاَخر لديه أسبابه الخاصة ليحمل أفكاراً مغايرة ربما تكون مشابهة لأسبابهم رغم اختلاف الأفكار.

    أتمنى فعلا أن يحدث تغيير كبير في المستقبل ويكون تغييراً إيجابياً لكن ولحين أن يأتي ذلك المستقبل أتمنى من كل قلبي ألا يزيد الحقد والكره الذي يذهب ضحيته الكثير من الأبرياء

    ردحذف
  3. فعلاً هي حياة واحدة نعيشها لا غيرها..هذا مالانتصورة ولانتخيله أبداً....هناك بالفعل طوائف في اليهودية ولكن مشاكلنا الطائفية نحن تغطي عليها ...والمشكلة ليست في الطوائف المتعددة أبداً ولكن المشكلة في عد تقبل الأخر وإحترامه تلك هي المشكلة ..فكل جماعة تغرس في عقول أجيالها صفات سيئة عن الآخر ..لذا تنشاً عقول ترفض تقبل الآخر حتى قبل أن تسمع رأيه بل تصادر رأيه قبل أن يتكلم حتى

    ردحذف
  4. Hu-man, أو محمد,
    شكرا جزيلا على مداخلتك. طبعا أنا أوافقك الرأي 100%. للأسف هذه هي الحقيقة المؤسفة التي نعيشها حالياً والتي اَمل أن تتغير في يوم من الأيام عندما يدرك الجميع أن هذه الحقيقة مرة ومظلمة ولن تجلب إلا المزيد من المرارة والظلم إلى حياتنا اذا استمرينا بها.

    بالمناسبة, (إسمي في البطاقة محمد ..لكن مش كاتبين إني إسمي إنسان ...يمكن نسيوا إني إنسان) أثرت فيي كثيراً...

    ردحذف
  5. لقد أدمت قلبي كلماتك يا هنادي، فهي تصف واقعنا بمرارة لا تقل عن مرارته.

    ما يصدمني فعلاً في هؤلاء الطائفيين هو الفرص التي يضيعونها من أيديهم في كل يوم، فرص للإنفتاح والحب والنجاح، لا لشئ بل لمجرد أنهم من -طائفة- أخرى!

    كان لي صديق يعمل مدرباً، وكان ماهراً جداً في صنعته. كنت معه في إحدى دوراته التدريبية، والتي كان من الواضح خلالها انبهار الحضور بشخصية المدرب وأدائه. وكنا يومها نتناول العشاء سوية، ووصل بنا الحديث إلى الطائفية ومدى قدرتها على تعمية الناس. فقلت لصديقي: جرب غداً على سبيل الدعابة أن تقنع الحضور بشكل غير مباشر بأنك من طائفة أخرى، وانظر ما سيحدث.

    وبالفعل، أقنع صديقي الحضور بشكل غير مباشر بأنه من طائفة أخرى (ولايهم ما هي هذه الطائفة، ما يهم بأنها مختلفة عن طائفتهم!)، ولك أن تتصوري تغير إعجاب الحضور وتحوله إلى نفور وتوتر. حتى أنني سمعت بعضهم أثناء الإستراحات يتفوه بما بناقض رأيه بالأمس، ولا شي تغير، سوى أن صديقي هذا وعلى سبيل المزاح (أو التجربة ربما) قال لهم: لا يهمكم من أنا، فأنا من طائفة أخرى، ومهما عملت واجتهدت، فسأبقى أدنى منكم.

    ضحكت يومها ومازلت أضحك كلما تذكرت هذه القصة على جهل يعشقه الناس لا بل يتفاخرون به!

    ردحذف
  6. فعلا قصة مضحكة مبكية بنفس الوقت.

    على هؤلاء الناس أن يشعروا بالخجل من أنفسهم وينفروا من تصرفاتهم التي لا تمت إلى المنطق لصلة. للأسف هذا هو واقعنا وهذا هو مجتمعنا الذي يقيس الشخص بناء على نسبه وطائفته وليس بناء على علمه وأخلاقه.

    شكرا أنس على مشاركتك, سررت كثيراً برأيك.

    ردحذف