1/29/2009

لا يأس مع الحياة

أحياناً كثيرة نعتاد على أشياء في حياتنا لا نعي بأنها أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية حتى يحدث شيئ ما يجعلنا نواجه هذه الحقيقة حتى ولو كانت بسيطة.

منذ أن سكنت في الحي الحالي أي منذ سنتين تقريباً وأنا أراقب سيدة كبيرة في العمر تأتي كل يوم حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً لترمي بفتات خبز تحمله لتطعم به الطيور. لم أقصد أبداَ أن أراقبها, ولكن المكان الذي اختارته لترمي فيه الخبز هو ساحة الكنيسة المقابلة لشقتي حيث أستطيع رؤيتها ببساطة شديدة.


مع مرور الوقت, بدأت أشعر بأن علاقة من نوع ما باتت تربطني بتلك السيدة. لقد أحببتها بصدق وأصبحت أنتظرها كل صباح حتى أنني أصبحت أقلق عليها كثيراً إن تأخرت وأفكر فيها كل الوقت بينما أنا مسافرة. كنت أتوق لرؤيتها عند عودتي فهي لا تتغيب أبداً عن إطعام الطيورحتى في أسوأ حالات الطقس. أذكر مرة كنت أمشي في الحديقة المجاورة وإذ بها هناك أيضاً. كانت تلك المرة الوحيدة التي رأيتها فيها وجهاً لوجه وليس عبر نافذتي. كانت تمشي في الاتجاه المعاكس وعندما اقتربنا من بعضنا البعض حييتها بتحية كبيرة وكنت على وشك أن أقبلها إلى أن تداركت الموقف وتذكرت بأنها بالأصل لاتعرفني ولا تعرف أي شيء عني!


هذه السيدة جعلتني أفكر كثيراً بحياتها اليومية وما الخيارات الممكنة للإنسان أن يملي بها وقته عندما يقارب عمره من الثمانينات أو يتجاوزها بقليل. بالطبع هذه الخيارات تختلف اختلاف الأرض والسماء بين بيئة وأخرى. فمثلاً كل الرجال والنساء الذين أعرفهم ممن باتوا في منتصف السيتينات من العمرويعيشون في سورية يفكرون بأن أوانهم قد بات قريباً ولم يتبقى لهم أي شيء يفعلوه في هذه الدنيا. حدثت أهلي ومعارفي كثيراً بأن الناس في الغرب يبدؤون حياة أخرى بعد التقاعد لا تقل حيوية وإنتاجاَ عن حياتهم من قبل. بالعكس فكلهم يتوقون للتقاعد حتى يخصصوا المزيد من الوقت في تطوير هواياتهم وقضاء وقتاَ أفضل في الاستمتاع بالحياة والاستجمام والقراءة, بل أعرف بضعاً منهم من التحق بالجامعة من جديد ليدرس ويكتسب معرفة في مجال جديد من مجالات الحياة. في كل مرة كنت أتحدث عن هذه الموضوع مع أبي أو مع أي أحد من معارفنا (50-70سنة) كنت أسمع نفس الجواب: "ناس فاضية, إذا عاجبينك كتير الله يهنيكي فين". إنها ليست مسألة إعجاب بهم أو انتقاد لنا. لا على العكس تماماً فأنا أساساً لم أفكر بهذه الطريقة أبداً وكل ما كان يشغل بالي هو فقط تشجيع أبي, أمي, أقربائي, أهل أصدقائي وكل من هم في عمرهم على الاقتناع بأن العمر التقاعدي لا يعني نهاية العالم بل على العكس هو بداية لعالم اَخر قد يكون أفضل. لا أعرف لماذا الناس في مجتمعاتنا مقتنعون بأن الناس في الغرب ناس ’فاضية’ رغم انشغالهم بينما شعبنا دائماً دائم الانشغال – طبعاَ في المشاكل أو في اللا شيء. أعتقد بأن شعبنا لديه من الوقت مايكفي لتأليف مجلدات واكتشاف فرضيات جديدة و و .. ولكن هذه السلبية في التفكير هي تماماً ما قصدته في حديثي. لقد شربنا اليأس وأكلنا الزهد وأصبحنا نرسم الابتسامة رغماَ عنا, ولكن لم كل هذا؟؟ لماذا يجب أن نستسلم لظروفنا الحياتية؟ أعرف أنه من الصعب جداَ تغيير مجتمع كامل ولكن وكما يقال التغيير يبدأ بخطوة, فإذا استطعنا أن نغير طريقة تفكيرنا وننظر بتفاؤل أكثر للحياة سنتمكن يوماَ ما من تغيير المجتمع وسنرتقي به إلى الأفضل بالتأكيد. إذا لم نتفائل, لن نعمل بصدق, وإذا لم نعمل بصدق فلن نستطيع أن نخطو خطوة واحدة نحو الأمام.

هناك 4 تعليقات:

  1. j'ai beaucoup aimé ton analyse et l'histoire. Think Positif

    Rachid Jankari

    ردحذف
  2. "
    منذ أن سكنت في الحي الحالي أي منذ سنتين تقريباً وأنا أراقب سيدة كبيرة في العمر تأتي كل يوم حوالي الساعة الحادية عشرة".
    أنا أحب هذا الأسلوب في الكتابة ، أحب أن أقرأ عن تجارب الآخرين ، أحب أن أعيش إحساساتهم.
    عندما نكتب بصدق تصل كلماتنا مباشرة إلى القلب.

    ردحذف
  3. شكراً بسام على كلماتك الرقيقة..

    ردحذف